الإفلاس التقصيري
بقلم : المحامي / مساعد بن سعد المطيري
عرّف نظام الإفلاس السعودي المفلس بأنّه مدين استغرقت ديونه جميع أصوله، ويخالف بذلك المتعثر الذي هو مدين توقف عن سداد دين مطالب به في موعد استحقاقه من حيث إن المتعثر لديه من الأصول والحقوق ما يفي بدينه إلا أنه لظروف خارجة عن إرادته لم يتمكن من سداد ديونه في مواعيد استحقاقها، وفي هذه الحالة أجاز له النظام بأن يتقدم إلى المحكمة المختصة بطلب التنظيم المالي واستكمال نشاطه التجاري.
ولا شك من أن مسئولية مدير الشركة – المقيد في السجل التجاري بناءً على قرار الشركاء – ووفقاً لصلاحياته المقررة في عقد التأسيس أو قرار الشركاء عن خسائر الشركة إنما تكون بالقدر الذي يتوافق مع تلك الصلاحيات حيث نصت المادة 28/1 من نظام الشركات السعودي على: “يكون المدير وأعضاء مجلس الإدارة مسؤولين بالتضامن عن تعويض الشركة أو الشركاء أو المساهمين أو الغير عن الضرر الذي ينشأ بسبب مخالفة أحكام النظام أو عقد تأسيس الشركة أو نظامها الأساس، أو بسبب ما يصدر منهم من أخطاء أو إهمال أو تقصير في أداء أعمالهم. وكل شرط يقضي بغير ذلك يعد كأن لم يكن..”.
كما اشتمل النظام ذاته في مادته 39 النص على حظر بعض الأعمال على مدير الشركة دون موافقة الشركاء والتي قد تعرضه في هذه الحالة لتحمل المسؤولية التقصيرية في حال افلاس الشركة وهي:” إنشاء فروع الشركة، أو إغلاقها، التبرعات ما عدا التبرعات الصغيرة المعتادة، كفالة الشركة للغير، التصالح على حقوق الشركة، بيع عقارات الشركة أو رهنها إلا إذا كان البيع مما يدخل في غرض الشركة، بيع محلّ الشركة التجاري (المتجر) أو رهنه، الاقتراض نيابة عن الشركة، ففي حال تسببت هذه الأعمال بإفلاس الشركة فإن المسؤولية التقصيرية عن الإفلاس تثبت بحق مدير الشركة.
ومن أبرز الأخطاء التي يرتكبها بعض المدراء أو مجالس الإدارات وتكون سبب في ثبوت المسئولية التقصيرية عن إفلاس الشركة ما نصت عليه المادة 132 من نظام الشركات:” إذا بلغت خسائر شركة المساهمة (نصف) رأس المال المصدر وجب على مجلس الإدارة الإفصاح عن ذلك وعما توصل إليه من توصيات بشأن تلك الخسائر خلال (ستين) يومًا من تاريخ علمه ببلوغها هذا المقدار، ودعوة الجمعية العامة غير العادية إلى الاجتماع خلال (مائة وثمانين) يومًا من تاريخ العلم بذلك للنظر في استمرار الشركة مع اتخاذ أي من الإجراءات اللازمة لمعالجة تلك الخسائر، أو حلّها.” وهو بهذا يتفق مع نص المادة 182 من نظام الشركات المتعلقة بالشركة ذات المسئولية المحدودة.
وبناءً عليه فإن اهمال المجلس او المدير في شركة المساهمة أو ذات المسئولية المحدودة لهذا الاجراء و استمرار الشركة في ممارسة نشاطها بعد بلوغ الخسائر هذا الحد هو أحد الأسباب لثبوت المسؤولية التقصيرية عن افلاس الشركة.
ويضاف إلى ضمان الديون التي ترتبت على تصرفات المديرين المسئولية الجنائية وفق الباب الثالث عشر: العقوبات من نظام الشركات المادة 261 والتي تنص على ” دون إخلال بأي عقوبة ينص عليها نظام آخر، يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على (سنة) وبغرامة لا تزيد على (1.000.000) مليون ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين…ح.كل مدير أو مسؤول أو عضو مجلس إدارة أو مراجع حسابات، لم يدعُ الجمعية العامة للشركاء أو المساهمين -أو لم يتخذ ما يلزم لذلك بحسب الأحوال- عند علمه ببلوغ الخسائر الحدود المقدرة وفقًا لأحكام المادتين (الثانية والثلاثين بعد المائة) و(الثانية والثمانين بعد المائة) من النظام.”
والاحكام المذكورة بعالية تتعلق بمدير الشركة أو أعضاء مجلس الإدارة بصفتهم الإدارية سواء كانوا مدراء خارجيين أو من مُلاك الشركة.
أما مسئولية مُلاك الشركة ذات المسئولية المحدودة أو المساهمة عن ديون الشركة فالأصل أنها بقدر حصصهم النقدية أو العينية فيها؛ ولا يضمنون ما زاد على ذلك، بخلاف الشركة التضامنية فإن الشريك المتضامن مسئول عن تغطية ما ينقص من أصول التفليسة عن الديون وفقاً لنص المادة 120 فقرة 2 من نظام الإفلاس على: ” يكون الملاك المتضامنون مسؤولين عن تغطية ما ينقص من أصول التفليسة إذا لم تكف حصيلة بيعها للوفاء بديون التفليسة، ويطلب الأمين منهم كتابة الوفاء بديون التفليسة في الموعد الذي يحدده، ويضاف ما يدفعون من أموال إلى أصول التفليسة. وفي حال تخلفهم عن السداد، فعلى الأمين أن يتقدم إلى المحكمة بطلب إلزامهم بالسداد.”.
ومع هذا كله فإنه إذا ثبت تفريط الشركاء أو أحدهم وتسببه في ضياع حقوق الشركة أو ثبت تعديه بأخذ مال الشركة لمصلحته الشخصية، فإنه في هذه الحالة يضمن من ديون الشركة بقدر ما تسبب به من ضرر عليها.
كما أوجب نظام الشركات في المادة 182 على الشركاء فيها إذا بلغت خسائرها نصف رأس المال أن يتخذوا القرار أما بمعالجة الخسائر أو حل الشركة، وفي حال لم يقم الشركاء بهذا الواجب بعد علمهم ببلوغ الخسائر هذا الحد، فإن على إدارة الشركة اتخاذ الإجراءات اللازمة لحلها حسب النظام.
وبناءً عليه فإنه في حال لم يثبت تحصل الشركاء غير المديرين على أموال الشركة بطرق على خلاف النظام، فإنهم لا يضمنون خسائر الشركة عند إفلاسها، وأما أعضاء مجالس الإدارة والمدراء في الشركات سواء كانوا شركاء أو أجانب، فإنهم إذا لم يتبعوا الإجراءات النظامية في صرف الأرباح أو في إصدار القوائم المالية أو في الإبلاغ عن الخسارة في الوقت المحدد، فإنهم في تلك الحالات مسئولون عن ديون الشركة في مواجهة الدائنين بمقدار ما تسببوا به من ضرر على الشركة بسبب تصرفاتهم في إدارتها.