سلطة القاضي في تأديب المحامي
صدر نظام المحاماة السعودي بموجب المرسوم الملكي رقم م/38 في 28/7/1422هـ وقد نص النظام على بعض الحقوق للمحامين لمساعدتهم على القيام بواجباتهم وذلك في الباب الثاني من النظام وفي الواقع لا بأس بها وإن كانت لا ترقى إلى المأمول ولا تفي بما يحتاجه المحامي من حصانة وحقوق ليقوم بواجبه على أكمل وجه.
وتعتبر المادة الثالثة عشر أهم المواد التي أشارت إلى بعض حقوق المحامين حيث نصت على أن للمحامي أن يسلك الطرق التي يراها ناجحة في الدفاع عن موكله ولا تجوز مساءلته عما يورده في مرافعته كتابياً أو مشافهةً مما يستلزمه حق الدفاع . وإن من الإشكالات التي ترد عملياً في المحاماة.
حصول خلاف في وجهة النظر بين القاضي والمحامي، وقد يحصل من أحدهما التعنت لوجهته التي توجه إليها، حيث يصر القاضي على السير في القضية لاتجاه معين بينما يصر المحامي على سحب القضية لاتجاه آخر .
والأصل المستقر: أن القاضي هو المسئول عن القضية وله الحق في اتخاذ الإجراءات اللازمة التي يرى فيها تحقيق العدالة إلا أن حق المحامي في ضبط طلباته واتخاذ إجراء محرر فيها قبولاً أو رداً مع تسبيبه أمرٌ كفله له النظام، ومن أمثلة ذلك قرار القاضي بإحالة المعاملة إلى خبير مثلاً قد يواجه برفض من المحامي لأنه في غير مصلحة موكله فإن الواجب تنفيذ ما طلبه القاضي: لكن بعد ضبط اعتراض المحامي وأسبابه واتخاذ قرار مسبب برد اعتراضه ورفضه، وفي بعض الأحوال يكون للمحامي الحق في طلب الرفع لمحكمة الاستئناف بشأن هذا القرار ومن أمثلة القرارات التي يجوز رفعها للاستئناف القرار بفرض الحراسة القضائية حيث يحق معه طلب الرفع لمحكمة الاستئناف.
والإشكالية هنا في تعنت أحد الطرفين ( القاضي أو المحامي ) مما قد يحصل معه مشادة كلامية، وقد يتعنت القاضي فيتجه إلى معاقبة المحامي لسوء تصرفه أو لما يظن أنه سوء تصرف.
لقد خصص نظام المحاماة السعودي الباب الثالث منه للكلام عن تأديب المحامي واشتمل هذا الباب على تسع مواد ، وقد نصت المادة 29/5 بأن يكون تقدير إخلال المحامي بواجباته المهنية أو ارتكابه عملاً ينال من شرف المهنة للجنة التأديب ، وهو بهذا يقصر دور القاضي الذي حصلت عنده المخالفة أياً كانت على رفع طلب إلى الإدارة العامة للمحاماة أو وزير العدل يحال بعد ذلك إلى المدعي العام الذي يقيم الدعوى لدى لجنة التأديب إن رأى إدانة المحامي بعد سماع جوابه على الشكوى ، وإلى هذا أشارت المادة 30/2 و 30/3 حيث يقدم القاضي أو غيره ممن له حق طلب رفع الدعوى محضراً مختوماً بالواقعة التي حصلت ثم يتم إحالتها للمدعي العام الذي إذا توجهت لديه الإدانة يقوم برفع الدعوى لدى لجنة التأديب المكونة من قاضٍ واثنين من أهل الخبرة حسب النظام .
وبهذا نعلم أن ما يسلكه بعض القضاة من إحالة المحامين إلى الشرطة مباشرة أو إلى التحقيق والإدعاء العام أو إلى التوقيف لمدة 24 ساعة يخالف النظام، حيث إن مرجعية تأديب المحامي فيما يتعلق بمهنته هي اللجنة المذكورة وأن على هذه الجهات إعادة الأوراق إلى القاضي ليقوم برفعها إلى الجهة المختصة .
وختاماً نؤكد على ما بدأنا به أن اختلاف وجهة النظر بين المحامي والقاضي هو أمر طبيعي بل هو الأصل ، وينبغي ألا يكون هذا الاختلاف سبباً للطعن في الشخص أياً كان بل يستفاد من هذا الاختلاف في إظهار الحق ورد الباطل وأن يكون الشرع والنظام واحترام وجهات النظر هو المرجع عند حصول شيء منه لنرى في مجتمعاتنا صور التعامل الراقي بين أركان العدالة بما يحقق مصلحة المجتمع بأسره .
وكتبه : المحامي:/
د. سليمان بن صالح الخميس