اختصاص الديوان في الانتخابات
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،،،، أما بعد:
أثار الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بجدة في يوم الثلاثاء 28/11/1432هـ بإلغاء قرار لجنة الفصل في الطعون الانتخابية المتضمن إعادة الانتخابات في الدائرة الثالثة بجدة جدلا واسعاً بين المهتمين في المجال العدلي ( الحقوقي ) ، وفي المجال المدني ، ولعل ما أثار ذلك هو ما أجابت به اللجنة على الدعوى في المحكمة الإدارية بالدفع فقط بعدم اختصاص المحكمة الإدارية بنظر هذا الموضوع
ولعل مستند هذا الدفع واضح ، وهو البناء على لائحة انتخاب أعضاء المجالس البلدية الصادرة بالقرار الوزاري رقم 11999 في 11/3/1432هـ في المادة الثامنة والثلاثين منها ونصها ( تختص لجنة الفصل بالنظر في الطعون التي يقدمها ذوو الشأن ضد القرارات والإجراءات التي تتخذها اللجان الانتخابية ، والتحقق منها ، وتفصل فيها ، وتصدر قراراتها بالأغلبية وتكون مسببة ، ونهائية ، وتبت اللجنة في الطعون خلال خمسة أيام من تاريخ تقديمها إليها … ) إلا أن الاستناد إلى هذه المادة ـ من وجهة نظري ـ في غير محله لما يلي :
أولاً:/ إن المراد بلفظ ( نهائية ) الواردة في نص اللائحة هو أنها لا تحتاج إلى اعتماد من قبل الوزير كما جرت العادة في سائر اللجان شبه القضائية في الوزارات ، وقد خصت هذه اللجنة برفع سلطت الوزارة عنها في اعتماد قراراتها حرصاً حياديتها لكونها تتعلق بالشأن العام ، وليس بشأن خاص بأحد المواطنين ، وهذا التخصيص في محله .
ثانياً:/ إن اعتبار اللجنة المذكورة غير داخلة تحت سلطان القضاء الإداري بموجب قرار وزاري أمر لا يسعفه اختصاص الوزارة أصلا ، حيث إن تحديد الاختصاص القضائي لا يثبت إلا بأمر أو مرسوم ملكي ، لكون الوزارات ووزرائها هم جزء من السلطة التنفيذية ، ومن المستقر شرعاً ونظاماً رفع يد السلطة التنفيذية عن التدخل في السلطة القضائية ، فلو سلمنا بأن مفهوم نص اللائحة يفيد عدم جواز الاعتراض على قرار اللجنة في المحكمة الإدارية ؛ لكان هذا المفهوم لاغياً لخروجه عن اختصاص مصدر النص ، وكل نص أو مفهوم صدر من غير مختص فلا عبرة به .
ثالثاً:/ إن اللجنة شكلت بقرار وزاري ، فتكون قراراتها في حكم قرارات من شكلها ، وحيث إن القرار الوزاري قابل للطعن لدى المحكمة الإدارية وفق الأصول النظامية ، فكذلك فرع هذا القرار ، وهو ما صدر عن اللجنة في الطعن المقدم إليها .
رابعاً:/ إن اللائحة التي يستند إليها من يرى عدم جواز الطعن على قرار اللجنة محكومة بما صدر بالمرسوم الملكي رقم م/78 في 19/9/1428هـ المتضمن الموافقة على نظام ديوان المظالم الذي جاء في مادة الثالثة عشر ما نصه (تختص المحاكم الإدارية بالفصل في الآتي : … ب – دعاوى إلغاء القرارات الإدارية النهائية التي يقدمها ذوو الشأن ، متى كان مرجع الطعن عدم الاختصاص ، أو وجود عيب في الشكل ، أو عيب في السبب ، أو مخالفة النظم واللوائح ، أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها ، أو إساءة استعمال السلطة، بما في ذلك القرارات التأديبية ، والقرارات التي تصدرها اللجان شبه القضائية والمجالس التأديبية …) ولجنة الطعون الانتخابية هي من اللجان شبه القضائية فتدخل في هذا النص ، ولا تخرج منه إلا بقرار يحمل من القوة النظامية مثل ما يحمله هذا النص . ومما تجد الإشارة إليه هنا أن إعادة هذا الأمر المهم في حياة الناس ( الانتخابات ) إلى القضاء الإداري ليس بدعا من التنظيم والترتيب ، فإن الكثير من الدول تعهد بشؤون الانتخابات إشرافا وفصلا في نزاعاتها إلى القضاء ، وإنما وضعت اللائحة هذه اللجنة كجزء من العملية الانتخابية لتقصير الطريق على الطاعن ، إذ قد يتحقق مطلوبه من طعنه وتستجيب الوزارة لما قررته لجنة الطعون دون الحاجة إلى الرجوع إلى المحكمة الإدارية ، ولو أن الوزارة لم تستجب لقرار لجنة الطعون لكان من حق الطاعن أن يتقدم بدعواه لدى المحكمة الإدارية لإلزام الوزارة بذلك بكل حال .
وأما سرعة البت في القضية من قبل الدائرة مصدرة الحكم فهو بكل حال أمر محمود ، حيث إن تأخير البت في القضية يترتب عليه الإضرار بمصالح الناس ، ولذلك فقد نصت اللائحة أن اللجنة تبت في جميع الطعون خلال مدة لا تزيد عن خمسة أيام من تاريخ تقديمها ، ولعل الدائرة مصدرة الحكم راعت ذلك وأعطت القضية حقها في تعجيل الفصل فيها .
وأما ما يتعلق بموضوع الدعوى بالتفصيل فإن الذي ندين الله به أن الأحكام القضائية متى صدرت بشكل صحيح لا يعترض عليها إلا وفق الأصول النظامية والشرعية ، وليست الصحافة محلا لمناقشة الأحكام القضائية ، والأصل أن الجميع مجتهد يتحر الصواب ، فلجنة الطعون اجتهدت ورأت تقديم حق الناخبين والاحتياط لهم في لزوم تبليغهم بتغير مكان المركز الانتخابي وأن الأصل عدم علمهم حتى يثبت ذلك ، والدائرة رأت أن تغير المقر قبل شهر من موعد الانتخاب ، واعتماد المقر الجديد لتسجيل الناخبين الجدد ، وبيان المقر على موقع الوزارة ، وتوزيع الكتيبات والإعلانات والملصقات التي ذكر فيها المقر الجديد وعنوانه ، ووضع اللوحات على المقر القديم التي تفيد تغير المقر ونقله إلى مقره الجديد كاف في التبليغ ، كما أن الناخب هو المسؤول عن استيفاء حقه الانتخابي في مركزه الذي يتبعه ، وعليه طلب ذلك وتحصيله ، ولم يجعل أحد أمامه عوائق في ممارسة هذا الحق ، وهذا المركز الذي تغير مكانه قد حقق نسباً أعلى في الحضور من بعض المراكز مما يدل على عدم تأثير التغيير في العملية الانتخابية ، وقررت لذلك إلغاء قرار لجنة الطعون ، والجميع – إن شاء الله – اللجنة والدائرة مأجورون على اجتهادهم ، ملتمسون للحق في مظانه ، والأمر أوسع من أن تضيق صدورنا من الخلاف فيه ، والأهم من هذا كله هو أن تستقر صدورنا في تقبل ما ترتب على ما أعلناه من أنظمة بكل الأحول ، فبذلك يكبر وطننا ، ويصلح أمر مجتمعنا ، والله المستعان .