التقادم في الدعاوى التجارية
بقلم : المستشار القانوني/ محمد مسعد
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد، فقد صدر نظام المحاكم التجارية بقرار مجلس الوزراء رقم (511) وتاريخ 14/08/1441ه، وتم نشره عبر الجريدة الرسمية في تاريخ 24/08/1441هـ الموافق 17/04/2020م، وانطلاقاً من حرصنا على مصالح عملائنا وتذكيرهم بما قد ينال من حقوقهم أو يسقطها، وحيث نصت المادة (96) من نظام المحكمة التجارية على أنه: “يعمل بالنظام بعد (ستين) يوماً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، ويلغي كل ما يتعارض معه من أحكام.” وعليه فإن تاريخ بداية العمل بالنظام هو 16/06/2020م ، وقد نصت المادة (24) من النظام أيضاً على أنه: “فيما لم يرد به نص خاص، لا تسمع الدعاوى التي تختص بنظرها المحكمة بعد مضي (خمس) سنوات من تاريخ نشوء الحق المدعى به، ما لم يقر المدعى عليه بالحق أو يتقدم المدعي بعذر تقبله المحكمة.”، كما نصت المادة (36) من اللائحة التنفيذية لنظام المحاكم التجارية على: “إذا كان الحق المدعى به ناشئاً قبل نفاذ النظام، فتحتسب المدة المنصوص عليها في المادة الرابعة والعشرين من النظام اعتباراً من تاريخ نفاذ النظام.”، لذا ومن منطلق دورنا في خدمة المجتمع ورسالتنا السامية التي يجب تأديتها بما يعود بالنفع على الوطن والمواطنين، وحرصاً منا على حماية الحقوق والمصالح التجارية المتعلقة بالجميع بصفة عامة وعمائنا بصفة خاصة، فقد جاءت أهمية طرح هذا الموضوع لبيان الحاجة الملحّة للأشخاص والمنشآت لمراجعة الحسابات والقوائم المالية، ولجعل المدة الزمنية معياراً ذا أهمية في ترتيب أولوية تقديم المطالبات التجارية خوفاً من سقوط الحق بالتقادم.
وفي هذا المقال سنتناول وبإيجاز ما يلي:
- تعريف التقادم.
- موعد تقادم الدعوى التجارية.
- الاستثناء من التقادم في الدعاوى التجارية.
- سريان التقادم في الدعاوى التجارية بأثر رجعي.
تعريف التقادم:
إن المقصود بالتقادم حسب النظام هو عدم سماع الدعوى بعد فوات مدة زمنية محددة نظاماً، وبمعنى آخر هو انتهاء حق الشخص في إقامة دعوى قضائية بسبب انقضاء فترة زمنية محددة دون المطالبة بحقه، ذلك أن السكوت عن المطالبة لمدة زمنية طويلة بحسب ما حدده النظام له أثره النظامي الذي قد يحول دون استيفاء الشخص لحقه، وكما أن نظام المعاملات المدنية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (5/191) وتاريخ 29/11/1444هـ قد تناول أحكام التقادم المانع من سماع الدعوى وفق أحكامه، وهو الأمر الذي قد سبق وأن أوضحناه في مقالنا الذي تم نشره بتاريخ 21/11/2023م، فإن نظام المحاكم التجارية تضمن التقادم فيما يتعلق بالدعاوى التجارية وحدد المدة التي لا تُسمع بعدها الدعوى، ونص على سقوط حق المدعي في رفع الدعوى بالتقادم بعد مرور مدة زمنية محددة، ويشمل ذلك التقادم جميع الدعاوى التي تختص بنظرها المحكمة التجارية، إلا أن تطبيق مبدأ التقادم لا يشمل المدة السابقة على صدور النظام وفقاً لما سنتطرق لتوضيحه في هذا المقال.
ومن هنا تجدر الإشارة إلى أن سقوط الحق في إقامة الدعوى لا يعني سقوط الحق المدّعى به، بل يعني عدم قبول سماع الدعوى إلا إذا أقر المدعى عليه بالحق، أو تقدم المدعي بعذر يبرر فيه سبب سكوته، ففي حالة إقرار المدعى عليه بالحق فيجب أن يكون ذلك محرراً بصورة واضحة لا تقبل الشك ولا التخمين ولا محاولة استخلاص الإقرار من بين السطور، وأما في حالة العذر فإن المحكمة هي من تنظر فيه ويكون محل دراسة أو تقدير منها، وهي من تقرر قبوله أو رفضه، كما أن الحكم بمقتضى التقادم لا يعني إبراء الذمة ولا الغاء الحق ومن حرص على براءة ذمته فعليه أداء الحق قبل القدوم على الله، والله المستعان.
موعد تقادم الدعوى التجارية:
حدد نظام المحاكم التجارية في المملكة المدة التي لا تسمع بعدها المحكمة الدعوى، حيث يسقط حق المدعي برفع الدعوى بعد مرور خمس سنوات بالتقادم ، ويشمل ذلك جميع الدعاوى التي تختص بنظرها المحكمة التجارية، ويستثنى من ذلك أن يقوم المدعى عليه بالإقرار بالحق أو أن يقدم المدعي عذراً تقبله المحكمة لعدم تقديم الدعوى قبل مرور مدة التقادم، حيث نصت المادة (24) من نظام المحاكم التجارية على أنه: “فيما لم يرد به نص خاص، لا تسمع الدعاوى التي تختص بنظرها المحكمة بعد مضي (خمس) سنوات من تاريخ نشوء الحق المدعى به، ما لم يقر المدعى عليه بالحق أو يتقدم المدعي بعذر تقبله المحكمة.”.
وعليه فإنه متى كان للشخص (الطبيعي) أو (المعنوي) مطالبة تندرج تحت اختصاصات المحكمة التجارية وفق المادة (16) من النظام ذاته، فإنه حفظاً لحقوقه يتعين عليه التقدم بالدعوى قبل مرور خمس سنوات من تاريخ نشوء الحق المدعى به.
وحريُّ بنا أن نُشير إلى أن مدة التقادم في الدعاوى التجارية وفق نظام المحاكم التجارية ولائحته التنفيذية تختلف باختلاف تاريخ نشوء الحق، فالحقوق التي نشأت واستحقت قبل نفاذ النظام تختلف عن الحقوق نشأت بعد نفاذ النظام.ِ
فأما الحقوق التي نشأت واستحقت قبل نفاذ النظام فإن مدة التقادم تبدأ من تاريخ العمل بالنظام، وذلك استناداً للمادة (36) من اللائحة التنفيذية لنظام المحاكم التجارية والتي نصت على: “إذا كان الحق المدعى به ناشئاً قبل نفاذ النظام، فتحتسب المدة المنصوص عليها في المادة الرابعة والعشرين من النظام اعتباراً من تاريخ نفاذ النظام.”، وحيث نصت المادة (96) من نظام المحاكم التجارية على أنه: “يعمل بالنظام بعد (ستين) يوماً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، ويلغي كل ما يتعارض معه من أحكام.” وحيث تم نشر النظام في 24/08/1441هـ الموافق 17/04/2020م، فإن العمل به يبدأ من تاريخ (24/10/1441هـ) الموافق (16/06/2020م)، وعليه فإن تقادم المطالبة أمام المحكمة التجارية بالحق الذي نشأ قبل نفاذ النظام يبدأ من تاريخ العمل بالنظام بغض النظر عن السنوات السابقة.
فلو فرضنا مثلاً أن لشركة ما مبلغ مالي في ذمة شركة أخرى، وأن هذا المبلغ مستحق بموجب فاتورة مؤرخة في (04/04/2018م) فيتعين عليها تقديم المطالبة أمام المحكمة التجارية قبل 24/10/1446هـ الموافق 16/06/2025م.
وأما ما يتعلق بالحقوق التي نشأت بعد تاريخ نفاذ النظام، فإن التقادم يبدأ من تاريخ الاستحقاق، وذلك استناداً للمادة (37) من اللائحة التنفيذية لنظام المحاكم التجارية والتي نصت على: ” فيما لم يرد فيه نص خاص، يبدأ سريان المدة المنصوص عليها في المادة الرابعة والعشرين من النظام من اليوم الذي يصبح فيه الدين مستحق الأداء.”، وفيما يلي أمثلة تطبيقية على ذلك:
المثال الأول: لو فرضنا مثلاً أن لشركة ما مبلغ مالي في ذمة شركة أخرى، وأن هذا المبلغ مستحق فوراً بموجب فاتورة مؤرخة في (04/04/2023م) فيتعين عليها تقديم المطالبة أمام المحكمة التجارية بدءاً من تاريخ نشؤ الحق (الاستحقاق) وهو تاريخ الفاتورة وحتى تاريخ 03/04/2028م بحد أقصى.
المثال الثاني: لو فرضنا مثلاً أن لشركة ما مبلغ مالي في ذمة شركة أخرى، وأن هذا المبلغ مثبت بموجب فاتورة مؤرخة في (04/04/2023م) إلا أنه قد نص في الفاتورة على أن استحقاقها يكون بعد سنة من تاريخ تحريرها، فهنا يتعين عليها تقديم المطالبة أمام المحكمة التجارية بدءاً من تاريخ نشؤ الحق (الاستحقاق) وهو (04/04/2024م) وقبل تاريخ 04/04/2029م.
سريان التقادم في الدعاوى التجارية بأثر رجعي من عدمه:
سبق أن تناولنا في مقالنا الذي تم نشره بتاريخ 21/11/2023م من أن المادة (299) من نظام المعاملات المدنية قد أقرت مبدأ التقادم في المعاملات المدنية بأثر رجعي، إلا أنه ـ وعلى العكس من ذلك ـ يمكننا القول هنا أن اللائحة التنفيذية لنظام المحاكم التجارية قد حسمت الأمر فيما يتعلق بالحق المدعى به الذي نشأ واستحق قبل نفاذ النظام، حيث أوضحت اللائحة أن احتساب مدة التقادم تبدأ اعتباراً من نفاذ النظام وذلك استناداً للمادة (36) من اللائحة التنفيذية لنظام المحاكم التجارية والتي نصت على: “إذا كان الحق المدعى به ناشئاً قبل نفاذ النظام، فتحتسب المدة المنصوص عليها في المادة الرابعة والعشرين من النظام اعتباراً من تاريخ نفاذ النظام.”، وعليه فإن التقادم لا يسري على الدعاوى التجارية بأثر رجعي وفقاً لما سبق توضيحه.
وختاماً ….. وحيث إنه في يوم 24/10/1446هـ الموافق 16/06/2025م سيكون قد مضى على النظام خمس سنوات من تاريخ نشره لذا فإن من كانت له حقوق تجاريه لدى غيره استحقت قبل تاريخ نفاذ النظام في (24/10/1441هـ) الموافق (16/06/2020م) فإن عليه رفع الدعوى قبل هذا التاريخ، والمعتبر هو تاريخ قيد الدعوى في المحكمة، وإذا فرط المستحق في رفع الدعوى فإن ذلك يعني تعريض حقه للمخاطرة باستخدام المدعى عليه لمبدأ التقادم في اسقاط دعواه.
والله ولي التوفيق،،،