Skip to main content

طالوت والمصريون

المصريون من خير شعوب الأرض ، وما أذكره اليوم ليس تنقصاً لهم لكنه تأكيد على أن المرض في الأمة عام ، فإذا كان هذا حال أهل مصر فما بالك بغيرهم لذا آمل أن يفهم كلامي هذا على وجهه وإلا يحمل ما لا يحتمل .

يذكرني حال المصريين مع مرسي بحال بني إسرائيل مع طالوت ، لقد جاء بنو إسرائيل إلى نبي لهم وطلبوا منه أن يبعث لهم ملكاً ليقاتلوا في سبيل الله ، والظن أن القوم صادقون فيما طلبوا من رغبتهم في الجهاد في سبيل الله ، وعندهم الحماس والمبرر الذي جعلهم يتقدمون إلى نبيهم بطلب التكليف بهذه الفريضة الشاقة .

ولكن نبي الله لم يأخذهم بظواهرهم ، وإنما أراد أن يتحقق من استعداد القوم للتكليف ، وهل هو انفعال نفسي أو هو من أثر تربية الأنبياء لهم ، فسألهم (هَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ أَلَّا تُقَٰتِلُواْۖ) ؟

وكان الجواب بصيغة الإنكار على السائل ( وَمَا لَنَآ أَلَّا نُقَٰتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدۡ أُخۡرِجۡنَا مِن دِيَٰرِنَا وَأَبۡنَآئِنَاۖ ) ، إن رفضنا للقتال بعد أن يكتب علينا هو من المستحيلات وذلك لأنه قد حصل لنا من الأذى كذا وكذا ، وهذا هو حال الأمة الإسلامية في الوقت الحاضر .

تصرخ الشعوب العربية (نريد قائداً) ، (أفتحوا الحدود ) ، ( اسمحوا لنا بالجهاد ) ، (واجهوا بنا الشرق والغرب ) ، وهُم أي هذه الشعوب يبررون هذه الطلبات بما بررت به بنو إسرائيل طلبهم السابق ، أخرجنا من الأقصى ، ونالنا الأذى والضر ، وتشردنا في الأرض ، فهل سيكون حالنا لو تحقق ما نطلب بأن فتح باب الجهاد أو جاء القائد المنشود كحال بني إسرائيل مع طالوت .

حادثة مرسي تؤكد لي أن الجواب غالباً نعم .

مرسي قائد تتحقق فيه كثير من المواصفات التي كانت الشعوب العربية تذكرها في خطبها ومقالاتها عن القائد الذي تسعى إليه ، ولكن الشعب المصري خذله .

نعم ، لم يفشل مرسي ، وإنما فشل الشعب المصري ..

لقد تعرض الشعب المصري للابتلاء الذي عرضه طالوت على أولئك المطالبين بالجهاد ، وهو الصبر ((إِنَّ ٱللَّهَ مُبۡتَلِيكُم ِبنَهَرٖ فَمَن شَرِبَ مِنۡهُ فَلَيۡسَ مِنِّي وَمَن لَّمۡ يَطۡعَمۡهُ فَإِنَّهُۥ مِنِّيٓ إِلَّا مَنِ ٱغۡتَرَفَ غُرۡفَةَۢ بِيَدِهِۦۚ فَشَرِبُواْ مِنۡهُ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۚ)) ، وكما رفض أصحاب طالوت الصبر الذي هو شرط الجهاد ، وتخلوا عن طالوت الذي طالبوا به فقد رفض المصريون الصبر وتخلوا عن مرسي .

جاء في كتب التفسير أنه لم يبق مع طالوت إلا عدة من بني إسرائيل كعدة أهل بدر 314 أو 317 رجلاً ، وهكذا حصل لمرسي فلقد انفض القوم عنه ، وبقي الصابرون إلا أن المصريين زادوا أن سجنوا مرسي بينما الأولون تركوه يجاهد وانتظروا النتيجة التي كانت في صالحهم .

إن ما فعله المصريون بمرسي يذكرني بأبيات أحمد مطر التي يقول فيها :

ودارت الأدوار فوق أوجه قاسية، تعدلها من تحتكم ليونة ،
فكلما نام العدو بينكم رحتم تقرعونه ،
لكنكم تجرون ألف قرعة لمن ينام دونه
وغاية الخشونة ،
أن تندبوا : ” قم يا صلاح الدين ، قم ” ، حتى اشتكى مرقده من حوله العفونة ،
كم مرة في العام توقظونه ،
كم مرة على جدار الجبن تجلدونه ،
أيطلب الأحياء من أمواتهم معونة ،
دعوا صلاح الدين في ترابه واحترموا سكونه ،
لأنه لو قام حقا بينكم فسوف تقتلونه …

ويبقى السؤال قائماً هل جاء مرسي قبل وقته فصار كحمل خداج تنفس نفساً أو اثنين ثم مات ؟ أو هي سنة الله في تمحيص الصف ليتمحص المرسيون كما تمحص الطالوتيون ، ويقودوا الأمة إلى النصر ؟

الظن بربنا هو الثاني .

× whatsapp