أصول مهمة في مواجهة داعش ومن خلفها
تعرضت المملكة في أخر يومين من رمضان المبارك هذا العام 1437هـ لثلاث عمليات تفجير في المدينة النبوية وجدة والقطيف ، ويظهر من هذه العمليات أن الهدف الأكبر لمدبريها هو تحصيل (( الشو)) الإعلامي أكثر من الوصول إلى تحقيق هدف استراتيجي لمن يتبناها .
العملية الأولى كانت بعد منتصف الليل في مواقف سيارات تابع لمستشفى فقيه بجدة القريب من مبنى القنصلية الأمريكية ، وفي الحقيقة فإن المسجد المخصص للصلاة داخل المواقف هو الأقرب إلى موقع التفجير ( من مبنى القنصلية ) وبالنظر إلى وقت العملية يتضح أن الهدف هو قتل المنفذ وحده لنفسه ليتم الإعلان عن الاستهداف ، وهو ما يعزز نظرية الإغراء المادي للمنفذ مقابل قيامه بهذه العملية للوصول للهدف الإعلامي من هذه الجريمة التي لا يمكن أن توصف إلا بالغباء والحماقة .
وأما العملية الثانية فكان في مدينة القطيف بالقرب من مسجد الشيخ فرج العمران حيث فشل الانتحاريان من الوصول للمسجد بالسيارة ففجر الأول نفسه بعد ان اقترب من المسجد سيرا على الاقدام وتلاه الاخر بتفجير نفسه داخل السيارة ورغم أن المسجد يقام به إفطار جماعي للصائمين يحضره قرابة 300 مصل إلا أن الإصابات لم تتجاوز الانتحاريين وآخر لم تتم تحديد هويته حتى الآن .
وأما العملية الثالثة فكانت في المكان المقدس الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك جوار مسجد رسول الله بالمدينة النبوية ، وقرب قبره عليه الصلاة والسلام وقبور أصحابه حيث اشتبه رجال الأمن بشخص أثناء توجه إلى المسجد النبوي وعند اعتراضه قام بتفجير نفسه .
وهذه الجرائم الثلاث المتزامنة وقتا وهدفا هي من مدبر واحد ولاشك ، والدواعش الخوارج هم المباشر لها لكنها في مثل هذا التوقيت وفي مثل هذا المكان لا تتفق مع مصالحهم في الداخل السعودي أبدا ، حيث إنها تبين عورتهم ، وتهتك سترهم وتجلي نفاقهم وكفرهم ، وهو ما يغلب على الظن أن هذه الجرائم وإن كانت بأيدي الدواعش إلا أنها جزء من صفقة تعقد بين الدواعش وبين المستفيدين الحقيقيين من هذه الجرائم خارج السعودية ، وربما داعش في العراق أو سوريا هي من سيقبض ثمن هذه العمليات تنازلا سياسيا أو تسليحا عسكريا أو غير ذلك .
ولكي نناقش هذه الجرائم فإنه لا ينبغي فصلها عن السياق العام لتشكيل الشرق الأوسط الجديد ، حيث إن هذه الجرئم هي جزء من مخطط كبير للوصول إلى ما عجز الربيع العربي السابق من الوصول إليه ، فتفتيت الأمة وتقسيم المقسم وإحداث الفوضى من خلال الدعوة إلى الثورة الديموقراطية برفع الشعارات الجذابة ( حرية – عدالة – مساواة) كان وما زال أحد الأهداف الرئيسية لأعداء الأمة في الخليج العربي ، وحيث فشل الربيع العربي في تحقيق الهدف بسبب عوامل كثيرة أهمها وقوف أغلب الدعاة وطلبة العلم بحزم تجاه محاولات استنساخ التجربتين التونسية والمصرية في الخليج لذا فقد سلك أنصار التغيير في الخليج مسلكاً آخر يقوم على ثلاث ركائز :
الأولى / التشكيك في المنهج العلمي والدعوي السلفي ( الوهابي ) وذلك من خلال الإعلام بمختلف أنواعه ، والدعوة إلى نقده بل وتجريمه بأثر رجعي ، وتحميله المسؤلية عن التخلف الحضاري في العالم الإسلامي .
الثانية / التشكيك في أفراد الشعب السعودي ، وتصويرهم كقنابل موقوته والنظر إليهم بأنهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، فهم الذين يرهبون ويدمرون ويخربون حتى في البلدان التي يسافرون إليها للسياحة .
الثالثة / التشكيك في الدولة السعودية ، وقدرتها على حماية مصالحها وشعبها ، والحديث كثيرا على تغلل الفساد وأن البلد وصل إلى مرحلة اللاعودة في هذا المجال .
تلكم الركائز الثلاث يتعاون على آدائها – سواء شعروا أو لم يشعروا – الرافضة والدواعش والليبراليون وبعض من ينتمون إلى النشاط الإصلاحي ، والكثير من النتاج الفكري في السنوات الأخيرة والمتعلق بالواقع السعودي يدور حول إحدى النقاط الثلاث السابقة .
إن مما يحسن تنبيه الخاصة والعامة عليه في السعودية وبقية دول الخليج هو خطورة المرحلة ، وأن المواجهة بين أهل السنة وأعداءهم قد وصلت مستوى خطير ، وأننا في مواجهة صريحة مع أعداء الأمة بأنواعهم ، وأن من الحكمة الواجبة على كل واحد منا ألا يقدم على جمع الكلمة شيئا مهما كان ، وأن كلمة ربما يصدرها أحدنا هي من الحق الذي لا مرية فيها قد تكون بسبب وقتها من أعظم الباطل ، وأنه لا يحسن في وقت الأزمات أن نسمع من يدعونا إلى الانقضاض على تراثنا ومنهجنا ودولتنا والتي دفع أجدادنا دمائهم ثمنا لها جميعا تراثا ومنهجا ودولة ، وهذا لا يعني العصمة إلا أنه بكل حال لب الحكمة ، قف يامن تدعي وجود خلل لدينا قف اليوم مع أهلك ومنهجك ودولتك وأجل مرحلة نقاشك في المنهج إلى حين انكاشاف الغمة وارتفاع الفتنة .
إن على الشباب الذي ينظر إلى هدفه الأسمى بنصرة دين أن يعمل عقله وفكره في ثمرة التعاون الذي تم بين القيادة السياسية والقيادات الدينة من تاريخ بداية دعوة محمد بن عبدالوهاب إلى اليوم ، وعن هذه الثمار اليانعة التي انتشرت في العالم الإسلامي كله علما وعملا ومنهجا وفكرا ، وعلينا جميعا أن نعلم أننا سنحاسب على التفريط بهذه المصالح الدينة الكبرى حينما نحارب فكرنا ومنهجنا ونسعى لخراب بيوتنا بأيدينا .
سيقول كثير ممن يقرأ كلامي هذا إنك تدعوا إلى المماطلة في الإصلاح ، وأقول معاذ الله ..
الإصلاح الفوري لكل فساد واجب على الفور … لكن مرعاة المنهج الصحيح بتقديم الأولويات… وتقديم حفظ الدين ونفوس المسلمين … مقدم على كثير من تلكم القضايا التي يسميها بعضنا إصلاحا …
وإني أخاطب أهل الغيرة والحمية على دين الله … مذكرا لهم بأصول تقتضيها ضرورة المرحلة عملا ودعوة ألخصها في النقاط التالية :
1- التمسك بالجماعة ، وهم أتباع الإمام أو الدولة أو الحكومة ، ولزومهم والحذر من الفرقة والخلاف ، وهذا لا يقتضي العصمة للإمام أو الدولة أو الحكومة أو العلماء ، كما لا يقتضي أيضا حرمة الجهر بقول يخالف قولهم على الإطلاق ، لكن إذا لزم الأمر بيان الحكم الفقهي أو الرأي الفكري أوالسياسي فليكن على وجه لا يشق وحدة الصف ، وليحرص المخالف ألا يكون عصا يستعملها الأعداء أيا ما كانوا في تفريق المسلمين .
2- احتمال المنافقين والصبر عليهم مع مجاهدتهم بنشر البيان والعلم ، وليتذكر المسلم الغيور كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبر على المنافقين ويداريهم بل ولربما أكرمهم وزادهم في العطاء رغم شدة كفرهم وعظم جهلهم وظلمهم ، وفي الحديث أنه استأذن عليه صلى الله عليه وسلم رجل فقال ( أذنوا له فبئس أخو العشيرة )، فلما دخل الرجل ألان له الكلام فلما خرج سألته عائشة عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم ( إن شر الناس من ودعه الناس مخافة شره ) ، وقال أبو الدرداء : ( إنا لنكشر في وجوه قوم وإن قلوبنا لتلعنهم ) ، ونحن نقول هذا ليس إكراما لأعداء الله ولا تقليلا من خطرهم بل والله نقول ذلك لعظم خطرهم على الأمة ولكون المواجهة معهم في مثل هذه المراحل قد توقع الأمة في موارد من الهلكة لا يعلمها إلا الله .
3- تفويض الأمور لأهلها من الولاة والعلماء الراسخين والمختصين ، وعدم الإكثار من النقد والتثريب والعتب واستبداله بالدعاء والنصح ، وليعلم الشباب الغيور المبارك أن الأمة في هذه المرحلة في مخاض تاريخي لا يمكن معه الإفصاح عن كل الخطط والأهداف ، وعن جميع الأسباب والمبررات ولو فعل ذلك لكان هو الغباء بعينه ، ولنتذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اراد غزوة ورى بغيرها … وهاهي الأمم الكافرة الديموقراطية تكيد المكائد وتدبر الحيل وتسميها بغير اسمها ، وتخفي الأمور عن شعوبها ، ولربما تبينت الأمور بعد سنين واتضح حقيقة المكر والحيلة ، وذلك كله لم يكن كيدا بشعوبها وإنما هو في حقيقة الأمر كيد لمصلحة شعوبهم لكن لما لم ينجح الأمر تحول إلى فضيحة من الفضائح ، وخلاصة الأمر ليكن منهجنا في ذلك ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) .
4- التمسك بما استقر من الأصول والقواعد في فترة الأمن والسعة ، وعدم جعل هذه الأصول لُعبة تُغيَر وتُترَك كرد فعل لسفه سفيه أو استفزاز كافر ، أو تفريغا لعقدة الهزيمة النفسية التي أصيبت بها الأمة ، وليعلم أن تقرير واختيار الإنسان حال الأمن والسعة أوثق من تقريره واختياره حال الخوف والضيق ، ولا يزال أعداء الملة يستفزون المؤمنين ليتركوا دين الله ويبدلونه فإن أجابوهم لذلك هلكوا قال تعالى ( وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا ) ولنتذكر أيها الشباب الغيور حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( القابض على دينه كالقابض على الجمر ) حيث إن من معانيه كثرة الخواطر التي ترد على الإنسان ليترك ما يعرف من الدين الحق ويستبدله بمناهج الضلال والكفر ، فاصبروا حتى تلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحوض .
5- الحرص على العبادة حيث إننا في زمن الفتن ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( العبادة في الهرج كهجرة إلي ) والهرج هو الفتنة واختلاط الأمور والأحوال على الناس فينفر الناس إلى العبادة تثبيتا لهم من الدخول في هذه الفتن ، ومن ذلك الحرص على إحسان الصلاة بالخشوع فيها وتطويلها بما يتفق مع السنة فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.
6- إحسان الظن بالله وأنه منجز وعده ومعلٍ كلمته (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين) وأن كل ما يقضيه تعالى فعاقبته إلى خير لمن اتقاه كما قال تعالى (والعاقبة للمتقين) ، فإذا أدى المسلمون دورهم في نصرة هذا الدين فإن الله ينصرهم كما قال تعالى (إن تنصروا الله ينصركم) ومن تخلف عن النصرة لدين الله فإنه لا محالة مبدل كما قال تعالى (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم) .
كتبه : سليمان بن صالح الخميس .
1437/10/15هـ