الثقافة الغربية لم تتقدم في العالم اليوم بناء على منتج ثقافي ؛ لكنها تقدمت بناء على المنتج الحضاري ، فالحضارة والتقنية والإبداع في عالم الأشياء هو الذي مكن للثقافة الغربية من الانتشار في العالم ، ولا يقال هنا إن الحرية الغربية هي من أوجد الحضارة وسائر الصناعات الأوربية ، فالتاريخ الغربي يشهد أن ثقافة الحرية هي منتج من المنتجات الصناعية الغربية .
وللتاريخ أيضا فإن الثقافة الغربية قامت على أساس التخلية لا التحلية فهي تقوم على أساس النقد لكل شيء وإتاحة الحرية المطلقة في كل شيء ، وكلما حقق المجتمع الغربي الحرية في أمر مِن الأمور قفز ذهنه الى غاية أخرى من غايات التمرد على السائد أو الموروث ، وليس إقرار المثلية وتقنينها منا ببعيد .
حديث الثقافة الغربية غالبا هو عن الما بعد ، فهي تسابق الزمن للوصول الى ما ليس متاحا اليوم وكأنها تستكشف النهاية غير الموجودة في قاموسها البحثي ، وإن لثقافة ( الما بعد ) أثرا في تغيير وتبديل القيم في العالم الغربي ؛ فما بعد الحرب الباردة وما بعد العولمة وما بعد الحادي عشر من سبتمبر يخالف ما قبلها ، وكلها شهدت تغيرا ثقافيا في المجتمع الغربي مَس القيم وظهر في السلوك .
الاشكالية هنا ليست في طبيعة الثقافة الغربية ولا في الأصول التي تتبناها ولكنها في اعتماد الثقافة الغربية كمرجع عالمي لتقييم ثقافة الاخر ، فالقيم التي لا تتفق مع الثورة الغربية على القيم هي القيم الرجعية والمتخلفة سواء كانت شرقية أو غربية ، ومكمن الإشكال هنا في أمرين:
الأول : اعتماد ثقافة معينة للحكم على ثقافة أخرى ، وهذا لا يسوغ حيث إن الرجوع الى الحجج العقلية والفطرية للفصل بين الثقافات وتقييمها هو الأساس، وإن لم نفعل ذلك فإننا نمارس الاكراه الثقافي أو الديني ، فإذا حاكمت الثقافة الاسلامية أو الصينية الى الثقافة الغربية كنت ظالما بينما إذا حاكمتها إلى الحجج العقلية والفطرية فستكون عادلا .
الثاني / أن الثقافة الغربية بمجملها تقوم على التخلية ، فالقواعد والقيم التي يمكن أن تكون أوجدتها تتعرض لموضة الما بعد التي تجعل ما كان بآلأمس صوابا هو اليوم خطأ ومخالفة ولذلك نجد أن الغرب لا يستطيع أن يقدم ميزانا للقيم ، بل يفصل في قيم كل مجتمع غالبا بالنظر إلى قضية المرأة ، والسبب في ذلك هو أن المنتج الثقافي العملي والحصري الذي قدمه الغرب للعالم هو حرية المرأة ،وأما ما سواه مثل العدالة والمساواة فهو من المشترك بين الشعوب ، ويحكمه غالبا ثقافة الما بعد في نظر الثقافة الغربية .
نعم ليس عند الغرب ما يقدمه كمنتج ثقافي حصري إلا ما يتعلق بالنظرة نحو المرأة ، وهي في حقيقتها نظرة العري الذي عوقب به آدم على أكله من الشجرة (فأكلا منها فبدت لهما سوأتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فَغَوَى ) وهي نظرة الشيطان التي اختارها للأبوين (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما ) فهل ندرك مقدار الرجعية في هذه الثقافة ، يا ليت قومي يعلمون .