فلسفة عجيبة هذه الأفكار التي تدور في رأسي هذه الليلة … وصدقني ـ عزيزي القارئ ـ إني لا أعلم هل ستراها أم أني سوف أخنقها بنفسي بعد أن أتقيأها على الورق …ذلك أني اليوم اخترت أن لا أكتب لك ولا لنفسي ، بل لشيء ما في داخلي أحس أنه أخص من نفسي !!! لماذا نختصم ؟ لماذا يرفع بعضنا صوته على بعض ؟ لماذا تشتبك أيدينا لغير السلام والمودة ؟ مالذي يجعلك أيها الإنسان المسلم تحمل شيئا ما غير الحب والود لصديقك وأخيك وجارك …؟ أسئلة كثيرة أحتاج أن استعمل المنطق لا العواطف في الجواب عليها . الأرواح جنود مجنده فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ، هل تناكر الأرواح هذا هو السبب ؟ وبالتالي فإن الإنسان غير مسؤول عن ما في قلبه وما يصدر منه من خصومة لأخيه ، أيعقل أن تكون عداوة الإنسان للإنسان مبررة كعداوة الذئب للغنم . لكن تناكر الأرواح لا يؤدي إلى الكره والبغض والخصومة بل يقف الحد عند الاختلاف لا الخلاف ، والاختلاف بمعنى عدم التوائم وعدم التوافق بين الروحين ، ولا يصل ذلك إلى العداوة والخصومة . وكم من صداقة أعقبتها عداوة ، وكم من محبة أعقبتها بغضاء . أيمكن أن يكون السبب هو التدين ؟ فيكره المسلم أخاه المسلم لكونه يعلم أنه لا يخلو من معصية لله . وهذا أيضاً مستحيل فالعدوة الدينية الكاملة هي بين المسلم والكافر ، وأما المسلم فله مطلق المحبة مع بغضٍ بقدر ما فيه من المعاصي والسيئات . ثم أليس كثيراً من الذين يبررون بغضهم وعداوتهم بالدين يحبون من هو أشد فسقاً ممن عادوهم ؟ لا أظن الدين في غالب خصومات الناس إلا مشجباً قديما تعلق عليه عباءة البغضاء ، وفي حقيقة الأمر هناك شيء آخر يجب أن نبحث عنه يتسبب في بغضنا لبعض . لنقل: إن الأنانية وحب الذات وعدم ممارسة مبدأ التنازل في العلاقات الاجتماعية كل ذلك هو السبب في نشوء الخصومة بين الناس ، ولعل لهذا القول وجه من الصحة ، لكنَّ المشاهد أن الإنسان قد يدخل في خصومة تضره حتماً ، ولا تجلب له نفعاً ، وهو مع ذلك يصر على خوضها حتى آخر قطرة من دمه ، ولو كان مراده ذاته وأنانيته لكان عليه أن يتنازل بطريقة ما ليحصل على مكسب أو يدرأ عنه خسارة . ولنقل ـ أيضاً ـ إن إرادة العلو في الأرض هي من أكبر أسباب الخصومة بين الناس ، والله عز وجل يقول : (( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فسادا ، والعاقبة للمتقين )) . ولنقل ـ أيضاً ـ إن الطمع والحسد والغيرة هي من أكبر الأسباب للاختصام بين الناس ، وهذه الصفات الثلاث داخلة في الظلم والجهل المتأصل في الإنسان ( إنه كان ظلوماً جهولا ) . وليس الظلم والجهل أصل وفطرة في الإنسان وإنما هو مما يقبل الإنسان أن يتصف به كسائر الشهوات ، والله جل وعلا خلق الإنسان كذلك ليحصل الابتلاء ، وليتميز من ينتصر على نفسه وشهوته عن من يتبعهما . وختاماً فلا جواب واضح للسؤال الذي بدأنا به ، ولعل جميع ما ذكر هو سبب يؤدي إلى الخصومة ، وتقوى الله وسلامة الصدر على المسلمين أعظم ما رزق العبد من نعمه ( اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ) وختاماً فما زلت في حيرتي أأئد هذا المولود أم أعتقه ، والسلام 11/6/2007م.