قال صلى الله عليه وسلم : (مثلُ المنافقِ كمثلِ الشَّاةِ العائرةِ بين الغنمَيْن . تعيرُ إلى هذه مرَّةً ، وإلى هذه مرَّة) رواه مسلم .
تلك صفة أصلية في المنافق وهي المذكورة في قوله تعالى (مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ لاَ إِلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ وَلاَ إِلَى هَـٰؤُلاۤءِ) قال ابن كثير : ” يعني المنافقين محيرين بين الإيمان والكفر فلا هم مع المؤمنين ظاهراً وباطناً ولا مع الكافرين ظاهراً وباطناً، بل ظواهرهم مع المؤمنين وبواطنهم مع الكافرين، ومنهم من يعتريه الشك فتارة يميل إلى هؤلاء وتارة يميل إلى أولئك، “
والمعنى الأول الذي ذكره ابن كثير واضح وهو أن الظاهر مع أهل الإيمان والباطن من أهل الأوثان فصاروا ليسوا من هؤلاء ولا من هؤلاء، وأما المعنى الثاني …
فهو يرسم صورة أخر للمنافق، صورة الشاك فيما يقوله من قيم وما يدعيه من مبادئ ، فتراه تارة يقوى لديه جانب الثقة والإيمان حتى إذا جاءه شيء من الخوف ضعف يقينه وخبا نور الإيمان في قلبه حتى تحول ناقدا لمبادئه التي كان ينادي بها ، وهذه الصورة تكون أوضح في الحديث الذي صدرنا به المقالة : ( كمثل الشَّاةِ العائرةِ بين الغنمَيْن، تعيرُ إلى هذه مرَّةً ، وإلى هذه مرَّة )
حينما تتخيل الشاة في هذه الحالة يتضح لك نفسية القوم في أزمنة الفتن والشبهات ، إنه لا يدري أين مصالحه فيسير خلفها ، ولا يثق بما يدعيه من مبادئ فيضحي من أجلها ، ولنتأمل بعض أوصاف القرآن لأهل النفاق في هذه الحالة التي تؤكد الحيرة وعدم الثقة بما يعيه من مبادئ ، يقول تعالى
وكما أن هذه الحيرة تكون بين الإيمان والكفر وذلك في النفاق الأكبر فهي أيضاً تكون فيما هو دون ذلك وقد تدخل في صور النفاق الأصغر ومن ذلك حيرة المسلم في إنكار المنكر اذا كان سيترتب عليه نقص في دنياه ، وكذلك مسارعته إلى التزهيد في عبادة الجهاد مثلا طلبا لمنفعة دنياه .
إننا نعلم أنه لا تحجير على الاجتهاد وأن الأصل سلامة النفوس من التهم لكن على كل مكلف أن ينظر في نفسه وهل هو حينما يتردد في حكم شرعي يحتار في إتباع دليلين أو أنه كالشاة العائرة بين الغنمين ، والله يتولى السرائر
اللهم إنا نعوذ بك من النفاق أصغره وأكبره فأعذنا يا حي يا قيوم .