ليس هناك أشق علي من الكلام في السياسة …
ولذلك فإن من الشعارات التي أحاول أن أعمل بها : من السياسة عدم الكلام في السياسة .
وهو شعار جميل ومريح ولعله أيضاً مربح ( بالباء ) .
والذي يجعلني لا أحب الكلام في السياسة ليس قلة الإدراك السياسي ، فنحن العرب ولله الحمد ـ كما يشعر بذلك كل عربي ـ نحيط بشكل جيد بجميع القضايا التي يتحدث بها الناس سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو علمية أو حتى دينية أو أدبية حداثية كانت أو تقليدية … ( يعني بتوع كله )
فنفرق بين مجلس الأمن وهيئة الأمم وعصبة الأمم والجمعية العامة وجمعية حقوق الحيوان والسامية والنازية والبرجوازية والدكتاتورية وغيرها من المصطلحات التي هي في نظري مائة وجه لعملة واحدة .
لكن المشكلة التي تجعلني لا أحب الكلام في السياسة هي أن الكلام في السياسة يحتاج إلى سياسة وأنا ـ بكل صراحة وتواضع ـ لا أحسن ذلك .
لا يمكن أن أتصور أن أتكلم عن أمريكا وأقول إن تلكم الدولة العظيمة قد قامت أكتاف رجال اختاروا الحرية منهجاً والمساوة نبراساً والعدالة دليلاً ليصدروا للعالم القيم الرفيعة مغلفة بالحضارة والمدنية …
ولو أردت أن أقول ما تقدم سأجد مباشرة لساني يتحول ويقول : إن أمريكا هي تلك الأفعى التي قامت على رفات شعب بأكمله هم الهنود الحمر ، وأنشأت حضارتها بعرق العبيد الذين خطفتهم من الدول الفقيرة حتى إذا ما علا شأنها وكثرت خيراتها تنكرت لهؤلاء السود ووصمتهم بكل عار وبلية ، أمريكا هي الدولة الوحيد التي استعملة القنبلة النووية مرتين في حرب واحدة ، وهي الدولة المستكبرة التي لم يبق في العالم بقعة إلا ولها فيه فتنة ، ففي الشرق الإسلامي رعت وحمت إسرائيل ، وهي المسؤوله عن مقتل كل طفل فلسطيني بريء ، وفي الشرق الآسيوي زرعت الشقاق بين الكوريتين وفي أفريقيا دعمت كل فتنة وزرعت كل فساد .
إنك لن تجد حرباً في العالم لم تنته إلا ولأمريكا يد في بقائها واستمرارها ، إما بدعم لأحد أطرافها . بل وأحياناً بدعم كلا الطرفين فيها .
أمريكا التي انعدم فيها ميزان الأخلاق والقيم حتى وجدت فيها المطالبة بحماية حق الشواذ وحتى إن شعبية الرئيس لترتفع بين شعبه إذا أثبت أنه زير نساء فلا يضر رئيس أمريكا أن تنكتشف فضائحه الجنسية في البيت الأبيض حتى ولو كان يمارس هذه المخازي وهو يدير دفة البلاد في الوقت الذي يستقيل وزراء وتقال فيه حكومات بسبب بعض مثل تلك التصرفات ، لكن : ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا )
عفواً : يظهر أني تجاوزت الحدود ، ولكن قصدي شريف وهو الإثبات للجميع أني لا أعرف السياسة في السياسة .
ولذلك فأنا اعتذر لقرائي عن الكتابات السياسية كلها ، وخاصة أن وضع الأمة الإسلامية لا يسمح لمثلي بالحديث عنه إذ الكيل قد طفح والتنور قد فار وبلغ السيل الزبى في المهازل السياسية التي تصدر من …
اعتذر قارئ الكريم فإنه يحسن بي أن أوقف الكتابة عند هذا الحد لكي لا أخوض فيما أنا لست من أهله ، لكن قبل ذلك أريد منك أن تشهد علي شهادة قد احتاج إليها يوما ما : أنه إن صدر مني كلام في هذه الأمور التي أكرهها فهو من الكوابيس التي تصيبني في المنام ـ وسلوا الله لي العافية منها ـ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( رفع القلم عن ثلاث : النائم حتى يستيقض والمجنون حتى يفيق … )
وهنا أفاق النائم بطلوع الصباح فوقف القلم عن الكلام المباح ،،،، وإلى اللقاء في نومة أخرى