هل يكون المخلوق مشرعًا ؟
زعم الكاتب د. عيسى الغيث في مقاله المنشور في صحيفة المدينة في عددها ليوم الخميس ٢/١١/١٤٣٥هـ والمعنون له بــ (من المشرع) أنه: يجوز تشريع المخلوق فيما لم يشرعه الخالق وبما لا يخالفه، وبنى زعمه هذا على أن من القضايا الدنيوية ما ليس فيها حكم لله مستدلا بحديث (أنتم اعلم بأمور دنياكم) وهذا زعم باطل لأمرين
الأول : أنه ليس شيء إلا فيه حكم لله إما بالإيجاب أو الاستحباب أو التحريم أو الكراهة أو الإباحة حتى تأبير النخل (أي تلقيحه) فإنه يدور بين الوجوب إن كان يتعلق بنفقة واجبة، والاستحباب إن كان لا يتعلق بها، ويكفي انه من عمارة الأرض وفي الحديث (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها) ، وبناء عليه فإن الشريعة شاملة لكل شيء ، قال تعالى ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ فالزعم بأن المتغيرات أو الأمور الدنيوية ليس فيها حكم لله بينه في شريعته جهل أو ضلال والله المستعان .
الثاني: قوله (على ألا يخالف الشريعة) ، تلبيس عظيم يريد به غالب من ينادي به أن يوسع صلاحية التشريع، فيجعلون الشريعة قطعي وظني، ويجيزون التشريع ما لم يخالف القطعي؛ ثم يتوسعوا أكثر فيجعلون القطعي المجمع عليه فقط، وبهذه الشبهة استباحة القوانين الوضعية بلاد المسلمين، والله المستعان .
وليعلم أن الأحكام لا يجوز إلا أن تكون من شريعة الله حتى ولو سماها بعضهم متغيرات، فإنه لا يجوز إلا حكم الشرع فيها، ومن أبرز الأمثلة لذلك نهي عمر بن الخطاب أهل الذمة عن لباس معين، فلما جاء عمر بن عبد العزيز نهاهم عن غيرها؛ لكونه صار من لباس المسلمين، وكلا الأمرين حكم شرعي واجب على الخليقة الالتزام به لأنه حكم الله تعالى ،ومرده إلى أصل واحد وهو تحريم تشبه المسلمين بالكفار.
بقي أن نؤكد أنه ليس في الإسلام مشرع إلا الله تعالى، وإنما المجالس المختصة في هذا الشأن يجب أن يقتصر دورها على النظام الإجرائي لا الموضوعي فوضع الشروط وتحديد الصلاحيات وآليات العمل الحكومي ليس من التشريع وإنما هو من التنظيم وهو داخل في القاعدة العامة (الأمور بمقاصدها ) و (ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب) ونحو ذلك من القواعد ،والله تعالى أعلم