احترام القانون
ما زال المهتمون بالشأن الإسلامي المعاصر يطرحون سؤالا ويحاولون الجواب عليه،وهذا السؤال هو لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم خلال الثلاثة قرون الأخيرة ؟
وبصيغة أخرى : ما هو الشيء الذين كان يعمل به المسلمون فتركوه وتسبب في تخلفهم عن سائر الأمم ؟
وبصيغة أخرى : ما هو الشيء الذي عملته الأمة النصرانية ومن تبعها فتفوقت بسببه على المسلمين بعد أن كانوا يؤدون الجزية للمسلمين ؟
ويمكن أن نجمع بين الصيغتين ونقول : ما هو الشيء الذي تركه المسلمون وعمل به أعداءهم فتفوقوا به علينا ؟
إن الكثير من المسلمين يحفظ جوابا مجملا على السؤال الأول ويردده دون الخوض في أعماق هذا الجواب فيقول إنه الإسلام ، فحين ترك المسلمون العمل بالإسلام أصابهم التخلف وتسلط أعدائهم عليهم ، ودائما نذكر في هذا كلمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال لأبي عبيدة ( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله ) وهذا جواب مجمل صحيح ، لكن الشأن في تفاصيل هذا الجواب ، وقد قيل إن الشيطان يكمن في التفاصيل .
وللجواب على هذا السؤال المهم علينا ان ننظر في حالة العرب قبل الإسلام وكيف كانوا أمة من الهمج ، لا يعرفون إلا البطش بالضعيف ، والتمرد على القوانين ، وعدم الخضوع لنظام إلا نظام القوة بالجاه أو المال أو السلطة ، شعارهم كما قال شاعرهم : طغاة ظالمين وما ظلمنا *** ولكنا سنبدأ ظالمينا
بل لقد كان العرب يرون أنه من السبة الخضوع لملك أو لزعيم ، وأن الكمال في خروج الإنسان عن القيود التي يفرضها عليه النظام كائنا ما كان، ولا خضوع إلا للقوي الذي يقتل ويستعبد الناس بقوته وجاهه وماله وسلطانه .
ولما جاء الإسلام قوى في المسلمين عدم الخضوع لمخلوق لكنه أخضعهم للخالق ، فشرع لهم الشريعة التي تحكم مجالاتهم في دينهم ودنياهم ، وجعل هذه الشريعة هي الحاكم على الجميع ، وكانت هذه الشريعة ربانية سماوية لا دور للناس فيها إلا الفهم والتبليغ .
وصار تعظيم هذه الشريعة بعمومها دينا يدين به المسلم يجازى على الطاعة له من الله ويحاسب على المخالفة له من الله أيضاً ، فكان الكثير من الثواب والعقاب معلق على الدار الآخرة دون الدنيا وأحكامها ، لذا فقد تركت الشريعة كثيرا من المخالفات إلى إيمان العبد وتذكره لميزان الآخرة قال تعالى ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) ، ( الإيمان بضع وسبعون فأدناها إماطة الأذى عن الطريق ) .
ذاك هو المعنى العظيم الذي استشعره سلفنا الصالح ، وهو أن احترام النظام العام واجب يثاب فاعله ويعاقب تاركه ولعل في قصة عمر بن الخطاب حينما كان يعس ليلا فاتكأ على جدار بيت من البيوت فسمع الأم تقول لابنتها قومي فامزجي اللبن بالماء لنبيعه في الغد ، فقال الجارية الصغيرة : ألم تعلمي يا أمه أن عمر نهى عن ذلك فقالت الأم إن عمر لا يرانا ياابنتي فقالت الجارية الصغير : إن كان عمر لا يرانا فإن رب عمر يرانا
ولقد كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ في عدة أحاديث كلها تؤكد أنه لا كبير فوق الشريعة أو القانون الذي تسير عليه الأمة ، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( من جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه ) ( وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد صلى الله عليه وسلم يدها ) ( إلا إن ربا الجاهلية موضوع كله وأول ربا أضع ربانا ربا العباس بن عبد المطلب )
1- الاعتقاد بأنه لا يسع أحدا الخروج على هذه الشريعة
2- الاعتقاد بأن كل جزء من أجزاء الشريعة صالح لكل زمان وكان
3- الاعتقاد بأنها أكمل الأديان وأحسن الشرائع
4- محبتها وعدم بغض شيء من أجزائها وهو النفاق
5- اعتقاد شمولها لجميع نواحي الحياة
وعلى هذا سار المسلمون حتى بدأ فيهم الضعف فصارت الاستثناءات تطال الدستور الذي يقوم عليه الإسلام في أول الأمر على حياء وبشيء من التأويل والخفية ، ثم صار ذلك كحال أهل الجاهلية على سبيل المفاخرة والمباهاة وصور هذا في كبار الأمور وصغارها .
كم من الشفاعات تطال الحدود وغيرها من الجرائم الكبار ، وقد وصل الحال إلى مفاخرة الشافع بهذا وأنه شفع في هذا الأمر ، ومفاخرة المشفوع له بأنه خرج من الجرم بالشفاعة والله المستعان
وأما صغار الأمور فما أكثرها حتى إنه لا يخلو منها إلا من رحم الله وخذ على سبيل المثال لا الحصر المخالفات المرورية ، يقول القائل على سبيل المفاخرة خالفت وشفع فلان ولم تسجل المخالفة ، ويقول المسؤول اتصل فلان لأجل مخالفته فكلمت له فلانا فعفا عنه
وهذا حال المجتمع في القبول في الوظائف والجامعات والمسابقات الوظيفية وغيرها.