أيها الدعاة: احذروا التولي يوم الزحف
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله:
ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم السبع الموبقات وذكر منه: التولي يوم الزحف ..
وذكر الله تعالى النهي الصريح عن التولي يوم الزحف : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ [15] * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [16] ﴾ (الأنفال 15، 16) ، وقد أمر الله تعالى بجهاد المنافقين والكفار ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) ، ولا شك أن النفاق أشد من الكفر (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) وأن جهاد المنافقين كجهاد الكفار ، ولكل من الطائفتين – الكفار والمنافقين – زحف بل زحوف على أهل الإسلام .
وكما أن التولي يوم الزحف عند لقاء الكفار كبيرة من الكبائر فهو كذلك عند لقاء المنافقين …
إن هجمة النفاق وأهله في الفترة الأخيرة على ثوابت الملة وقواعد الشريعة التي تهدف إلى تبديل دين الإسلام بما يتوافق مع الأهواء المريضة هي زحف لا يقل خطورة عن الزحف العسكري ، والواجب على من لديه القدرة العلمية أو العملية من العامة والخاصة أن يقف بكل طاقته لرد هذا الزحف ، بالبيان ، والسنان إن كانت له ولاية ، ومن تولى عن واجبه فقد تولى يوم الزحف ..
إن الله يبتلي المؤمنين بالمنافقين الذين يتحالفون مع أعداء الأمة سراً وجهراً ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾، وتحالف الطائفتين لن يضر المسلمين شيئا ، بل هو إن شاء الله مرحلة من مراحل التمكين الحتمية تمر بها الجماعة المسلمة حتى يأتي نصر الله.
إن الابتلاء الذي يحصل ونشاهده في الساحة الدعوية غايته التمحيص بإخراج الاتقياء الأنقياء ﴿ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ﴾ ( آل عمران 140 ) ، فمن أزاد يقينه وصبر على ما يعلمه من دين الله كان عاقبة ذلك زيادة الهدى والإيمان ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ) ، ( هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ ﴾ فترتفع بهذا البلاء منزلة المؤمنين ويزدادون نورا وهداية فيستحقون التمكين والاستخلاف ، ولو كانوا قلة ، فالحكمة الربانية ظاهرة وواضحة : يبتلي ليطهر النفوس ويصلح فسادها ويرفع درجتها لتكون على درجة تؤهلها للاستخلاف في الأرض ، فإذا كانوا كذلك أذن الله لهم بنصره وفرجه ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ﴾. وعلى هذا الطريق ـ طريق الابتلاء لاستخلاص الصفوة ـ يتساقط المتساقطون الذين ليسوا أهلا لتلك المنزلة الرفيعة ، وقد يكون لهم من السابقة والخير إلا أن شدة البلاء أضعفتهم فهذا مرارة بن الربيع وهلال بن أمية كلاهما شهد بدرا ، وكعب بن مالك شهد بيعة العقبة سقطوا في ابتلاء غزوة تبوك ، فتخلفوا عن المواجهة وركنوا إلى متاع الدنيا ، ولم يكن لهم عذر مما يعتذر به الناس اليوم في ترك الطريق فكان البلاء العظيم الذي وصفه الله تعالى بقوله ﴿ حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ﴾ هكذا يؤدب الله تعالى المؤمنين بالبلاء ليصفيهم ويصطفيهم ويستخلفهم في الأرض.
إن من أعظم ما يثبت الداعية والمؤمن في مواجهة هذا الزحف النفاقي الكبير تقوية الارتباط بالله تعالى (واجعلوا بيوتكم) أي بكثرة الصلاة ، ولزوم الجماعة المؤمنة والزهد في الدنيا ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ ، والتمسك بالكتاب والسنة ( تركت فيكم ما لن تضلوا ما تمسكتم به كتاب الله وسنتي ) ، والاقتداء بمن مات من السلف فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين من بعدي ) ، والدعاء بالثبات فهو خير عدة .
أيها الدعاة : إنكم جميعا اليوم قد حضرتم الصف في مواجهة النفاق والمنافقين الذين يريدون منكم الإجابة إلى ما يشتهون ، يريدون أن يسمعوا منكم التبرير للمنكر واللوم والتأنيب لمن تمسك بالسنة ، والإقرار بخطأ سلفكم الصالح فإياكم والإجابة لذلك ، وليسعكم الصمت إن عجزتم عن البيان العام ، وأشهدوا ربكم ومن يحضركم أنكم لا تقرون هذا المنكر ، واملوا خيرا فإن فرج الله قريب .
﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾